onsdag 12 december 2007

بين مطرقة الفقر وسندان العنف .. العراقيون يحيون يوم الفقر العالمي


بغداد: للفقر في العراق قصة طويلة، لعل اصدق من جسدها رائد الشعر الحديث بدر شاكر السياب، حين تغنى بالمطر والفقراء في أنشودته قائلا:ومنذ أن كنا صغارا، كانت السماء تغيم في الشتاء ويهطل المطروكل عام – حين يعشب الثرى – نجوعما مر عام والعراق ليس فيه جوع
وتحتفل الأمم المتحدة يوم مطلع كانون الأول من كل عام بيوم حقوق الإنسان، إلا إن احتفالية هذا العام اختلفت عن الأعوام التي سبقتها منذ عام 1950، كونها خصصت للفقر الذي انتشر بشكل غير مسبوق في مختلف أصقاع الكرة الأرضية.وللفقر في العراق قصة اختزلتها دراسة معدة من قبل الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات، بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أجريت عام 2006 بالقول إن حوالي (31%) من الأسر العراقية تعاني من الحرمان و(الفقر المدقع).منظمة اليونسيف، وفي دراسة خاصة بها أصدرتها من مكتبها ببغداد، قدرت عدد الأيتام في العراق بحوالي 4 – 5 ملايين طفل، وأكثر من مليون ونصف المليون أرملة قالت الدراسة إن اغلبهم يعيش في مستو مترد، ودون الحد الأدنى للمستوى المعيشي. وبعيدا عن وثوقية المعلومات التي اعتمدت عليها الدراسة من عدمها، يظل العراق في مرتبة الصدارة بين أكثر البلدان التي عانت من عدم الاستقرار لعقود طويلة، وحفلت بالكثير من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية.الباحث الاقتصادي الدكتور عبد الله الحلفي، قال للوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) إن ظاهرة الفقر في العراق "لم تكن وليدة ما بعد سقوط النظام السابق، بل إنها تراكمت بشكلها الكبير هذا، منذ عقود مضت، وتفاقمت بعد ما دخلت البلاد ثلاثة حروب متتالية، حين وجد مئات العائدين من الحرب أنفسهم من دون عمل. وسرعان ما بدأت القيم المجتمعية بالتفكك والانحلال بعد احتلال الكويت، وتفاقمت أثناء الحصار الاقتصادي، ثم بلغت أعلى نسبها بعدما غزت أمريكا العراق وأسقطت النظام."
ويضيف الحلفي " لا يمكن سرد كل أسباب الفقر في المجتمع العراقي، لأنها باختصار متنوعة إلى حد بعيد، هناك الحروب المتتالية التي تركت وراءها نظاما اقتصاديا منهارا من جميع الجوانب، واعتماد الاقتصاد على عمود واحد هو النفط الخام، وإلغاء وزارة التخطيط التي أرست دعائم بناء الاقتصاد العراقي من خلال خطط خمسية منذ العام 1970، بالإضافة إلى إلغاء التعيين المركزي للخريجين." ويحدد الدكتور الحلفي أهم معالجات الفقر في العراق "باعتماد إستراتيجية متكاملة لبناء الاقتصاد العراقي، والتريث في خصخصة منشآت القطاع العام، والتدرج نحو اقتصاد السوق، وإصلاح المنشآت الصناعية المعطلة خاصة الإستراتيجية، وتشريع نظام خاص بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة ودعمها ماليا لاستيعاب العاطلين، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى بهذا الشأن، مثل كوريا والهند وايطاليا والمانيا ومصر." لكن الحلفي يستدرك قائلا "الفساد الإداري في العراق، هو العامل الأساس في عدم نجاح أي معالجات حكومية لظاهرة الفقر."
أبو رفل، عامل البناء الذي خاض حربين وعاش سنوات القحط في عراق التسعينات، يروي، لـ(أصوات العراق) حكايته مع الفقر بعيون ابنته التي توفيت العام الماضي نتيجة مرض سرطان الدم، ويقول "أنا رجل بسيط، عامل بناء اخرج إلى المسطر في كل صباحات الصيف والشتاء التي عشتها بعد الخدمة العسكرية، لأجلب لعائلتي المتكونة من أربعة أشخاص، إنا، وزوجتي، وابنتين، قوت يومنا." ويكمل تفاصيل قصته "كنت أظن إن نحول ابنتي سببه سوء التغذية، وكنت ألوم نفسي على سوء أوضاعي المادية وتقصيري مع عائلتي، لكني اكتشفت أن ابنتي كانت مصابة بسرطان الدم." ويمضي أبو رفل بسرد حكايته مع مراجعات الأطباء ومحاولاته المستميتة للحصول على عطف إحدى الجمعيات الخيرية أو مستشفيات الأطفال، ويقول في هذا "لم يبق باب إلا وطرقته، لم ابق شخص إلا واستدنت منه، الأمم المتحدة والهلال الحمر والجمعيات الخيرية ومستشفى الشيخ زايد التي طردني منها الحارس ذات يوم، بعد ان أعلنت اني سأعتصم أمام الباب إذا لم يعالجوا ابنتي، وكل هذا لم يأت بنتيجة، لتموت رفل بين يدي ذات صباح دون أن أتمكن من فعل شيء لها، اعرف أن فقري هو الذي قتلها وليس المرض".
مهند الشمري، شاب في عقده الثالث، قصته لا تختلف كثيرا عن قصص الشباب العراقيين العاطلين عن العمل، لأنها تحمل تفاصيل المشهد العراقي المتكرر، ويقول "ليس الموضوع إنني لا ابحث عن عمل، بقدر ما هو عدم القدرة على تجميع راسمال يكفيني للشروع بعمل اكسب منه رزقي، كل ما املكه هو شبابي وقدرتي على العمل بأي مهنة كأجير عند الآخرين." ويكمل مهند حديثة "أحيانا أجد عملا ما اقضي فيه أيام قلائل، ثم لا يتوفر لي العمل لفترات طويلة." ويتابع "كنت اعمل في معمل للخياطة، لكن صاحبه هاجر إلى سوريا، وهكذا وجدت نفسي وعشرة من زملائي خارج سوق العمل، لا املك أن أتزوج أو أن أحسن اوضاعي، والأعمال المؤقتة لن تنقذني من واقعي."البطالة، آفة الفقر التي استشرت في قطاعات واسعة من الشباب العراقي، هي دائما تبحث عن حلول قد تكون بطيئة، أو مؤقتة، لكنها في كل الأحوال حلول يبحث عنها شباب يحاولون الحصول على عمل بأي ثمن.
يقول مدير مركز التشغيل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إن "مراكز تدريب الوزارة البالغ عددها (22 مركز) في بغداد والمحافظات، مرتبطة بقاعدة بيانات يسجل فيها العاطلين عن العمل الذين بلغ عددهم منذ انطلاق عملنا في أيلول 2003 وحتى الآن مليون ومائة ألف شخص."ويضيف رياض حسين لـ(أصوات العراق) "نستقبل طلبات العراقيين من كلا الجنسين، ويتم إدخال الطلب في قاعدة بيانات الوزارة، وتقوم الوزارة بالبحث عن عمل مناسب يلاءم مؤهلات المتقدم للعمل، سواء في القطاع الخاص أو العام." ويتابع "استطعنا تشغيل 220 ألف شخص من العاطلين عن العمل، كما شملت رواتب الحماية الاجتماعية200 ألف عاطل من أرباب الأسر." وتحدث حسين عن برامج القروض الصغيرة للعاطلين، مشيرا إلى أنها تشمل ثلاث فئات، هم الخريجون من المعاهد والجامعات، والمهجرون، وأصحاب المحال المتضررة. ويضيف "استطعنا أن نوفر ستة آلاف قرض لمساعدة المتضررين من العاطلين، والمتضررة محلاتهم التجارية من جراء أعمال العنف.
لكن أم زهراء، الأرملة التي تركها الزمن مع طفلين دون معيل، كانت لها قصة مع رواتب الرعاية الاجتماعية، تختلف عن لغة الأرقام التي يتحدث عنها المسؤولون، فتتحدث لـ( أصوات العراق) عن ظروفها، ودموع الحزن تبلل وجنتي أمها العجوز التي رافقتها إلى مبنى الرعاية الاجتماعية، وهي تبحث عن حل لمحنتها التي لم تكن تخطر لها على بال، والحكاية كما ترويها أم زهراء "أنا أرملة منذ عامين، توفي زوجي بانفجار في مسطر العمالة (ساحة لتجمع عمال البناء) في منطقة الكاظمية، فتوجهت إلى وزارة العمل طالبة العون، فشملت براتب شبكة الحماية الاجتماعية، وهو على قلته أفضل من لاشيء." وتستلم والدتها دفة الحديث بعد أن أجهشت أم زهراء في بكاء مر، موضحة "الأسبوع الماضي جاءت لتستلم راتبها كالمعتاد، إلا إنهم قالوا لها إن لديها راتبا آخر تستلمه من دائرة أخرى، وهو شيء غير صحيح، نحن لا نستلم إلا راتبا واحدا هو من هذه الدائرة."وتعود أم زهراء للحديث وهي تشرح ملابسات الموضوع وتقسم بأغلظ الأيمان إنهم لا يتسلمون إلا راتبا واحدا، وتلقي باللوم على الفساد الذي ينتشر في المؤسسات التي تعنى بالطبقات الفقيرة "إنهم لا يخافون منا لأننا مكسوري الجناح، أنا مستعدة لأي تحقيق على أن لا يقطعوا هذا المبلغ عنا، لأنه يسد جزء من احتياجات أطفالي الأيتام، ثم إن البعض يقول لي الآن أن علي أن أسدد المبالغ الأخرى التي لم أتسلمها أصلا."

Inga kommentarer: